من الملاحظ أن التغير المناخي وآثاره قد أصبح الشغل الشاغل للعالم هذه الأيام , فالكوارث الطبيعية كالجفاف الشديد والمجاعة في الصومال والقرن الافريقي والإعصار الذي ضرب المكسيك أخيراً وبلغت سرعته 256 كم/ س وموجة الحر الشديدة في الولايات المتحدة الامريكيه, وغيرها من المظاهر كلها مؤشرات على حدوث التغير المناخي. وقد عقد مجلس الامن الدولي اول اجتماع له لمناقشة هذه الظاهرة حيث صرح الأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون بأن التغير المناخي يتسارع بوتيرة خطرة مما يهدد السلم والأمن الدوليين بشكل أساسي. وقد قدر الخبراء أن ما يحدث هذه الايام هو اكبر تغير في الغلاف الجوي منذ 65000 سنة.
ويشار هنا ان الاردن من اوائل الدول الموقعة على اتفاقية التغير المناخي, واتخذ العديد من الإجراءات للإيفاء بالتزاماته تجاهها, مع ان تحدي تغير المناخ هو تحدٍ عالمي في أسبابه وحلوله, حيث يقدر ان كل ارتفاع بمقدار درجة واحدة سيخفض النمو الاقتصادي العالمي بما بين 2-3%
أسباب التغير المناخي
التغير المناخي هو اختلال في الظروف المناخية المعتادة
كالحرارة وأنماط الرياح والهطول التي تميز كل منطقة على الأرض, وكذلك
ارتفاع حرارة الغلاف الجوي المحيط بالأرض بسبب تراكم غاز ثاني اكسيد
الكربون والميثان واكسيد النيتروز.
ويمكن تقسيم أسباب التغير المناخي الى مجموعتين
1- طبيعية: ومنها
ا- ثوران البراكين حيث ينبعث منها غازات الدفيئة, مثل بركاني ايسلندا وتشيلي
ب- العواصف الترابية في الأقاليم الجافة وشبه الجافة التي
تعاني من تدهور الغطاء النباتي وقلة الزراعة والأمطار, ومن امثلتها رياح
الخماسين وما تثيره من غبار عالق في جو الاردن والمنطقه.
ج- ظاهرة البقع الشمسية وهي ظاهرة تحدث كل 11 عام تقريبا
نتيجة اضطراب المجال المغناطيسي للشمس مما يزيد من الطاقة الحرارية للإشعاع
الصادر منها.
د- الاشعة الكونية الناجمة عن انفجار بعض النجوم حيث تضرب الغلاف الجوي العلوي للارض وتؤدي لتكون الكربون المشع.
2- اصطناعية: وهي المسببات الناجمة عن نشاط الإنسان وترتبط بالنمو السكاني المتزايد بالعالم مثل:
أ- الغازات المنبعثة من الصناعات المختلفة كتكرير النفط وإنتاج الطاقه الكهربائية ومعامل انتاج الاسمنت ومصانع البطاريات.
ب- عوادم السيارات والمولدات الكهربائية.
ج- نواتج الأنشطة الزراعية كالأسمدة والاعلاف وعمليات ازالة
الغابات والاشجار التي تعتبر اكبر مصدر لإمتصاص غازات الاحتباس الحراري
خاصةً غاز CO2
د- الغازات المنبعثة من مياه الصرف الصحي خاصة الميثان الذي يعتبر أكثر خطراً بعشرة أضعاف من CO2
أهم مكونات غازات الدفيئة
1- ثاني اكسيد الكربون: حيث تفيد الاحصاءات بارتفاع كميته
المنبعثة في العالم. كما افادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير
المناخ بأن تركيز ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي قد ازداد, وينتج قطاع
الصناعات التحويلية 50% من كمية CO2 المنبعثة, ويمكن السيطرة على 50% من
كمياته المنبعثة من خلال تركيب معدات خاصة في المصانع لامتصاص هذا الغاز
وحجزه.
ويظهر الجدول التالي قائمة لبعض دول العالم وكميات انبعاثات ثاني اكسيد الكربون الناتج منها:
الدولة
|
كميةCO2 المنبعثة سنوياً
|
النسبة المئوية من الانبعاث العالمي
|
مجموع الانبعاث العالمي
|
27.2 مليون طن
|
100%
|
الولايات المتحدة
|
6.0 مليون طن
|
22%
|
الصين
|
5.0 مليون طن
|
18%
|
الاتحاد الاوروبي
|
3.1 مليون طن
|
11%
|
روسيا
|
1.5 مليون طن
|
6%
|
الهند
|
1.3 مليون طن
|
5%
|
اليابان
|
1.3 مليون طن
|
5%
|
3- الميثان (NH4) : وهو ينبعث بكميات أقل من ثاني اكسيد الكربون ولكن خطورته أكبر بكثير.
تأثير التغير المناخي على القطاع الزراعي والقطاعات الاخرى:
1- الأراضي الزراعية
حسب دراسات جرت في مصر فإن ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي
الى غرق 1% على الأقل من مساحة مصر, مما يعني فقدان 15% من اراضيها الخصبة
المأهولة بالسكان, كما سيكون للتغير المناخي تأثير سلبي على المناطق
الزراعية الهامشية مما سيزيد من معدلات التصحر , كما يتوقع ضياع 12% من
أفضل أراضي دلتا النيل الزراعية مع ارتفاع مستوى سطح البحر 1 متر, بينما
ترتفع النسبة الى 25% مع ارتفاع 3متر في مستوى البحر, و35% مع ارتفاع 5متر.
ويتوقع تغير خريطة التوزيع الجغرافي للمحاصيل الزراعية مع تقليل امكانية
زراعة المناطق الهامشية بسبب ارتفاع درجات الحرارة, وبالنتيجه ستتناقص
مساحات الرقع الزراعية وسيزيد الجفاف.وقدرت مساحة الدمار الحاصل في الغابات
الاوروبية بحوالي 650 ألف هكتارعام 2003 بسبب التغير المناخي.
2- انتاجية المزروعات والثروة الحيوانية
من المتوقع أن تؤثر التغيرات المناخية على انتاجية الأرض
الزراعية, فالزيادة المتوقعة في درجة الحرارة وتغير نمطها الموسمي سيؤدي
الى نقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل وحيوانات المزرعة, ففي مصر يتوقع
أن تؤدي التغيرات المناخية الى نقص انتاجية القمح بمعدل 18% إذا ارتقعت
الحرارة 4 درجات مئوية , وبمعدل 9% اذا ارتفعت الحرارة 2 درجة . أما الذرة
الشامية فيتوقع أن تنخفض الانتاجية بمعدل 19% بحلول عام 2050 مع ارتفاع
الحرارة بمعدل 3.5 درجة, اما القطن فهو عكس المحاصيل الاخرى ستزداد
انتاجيته بمعدل 17% مع ارتفاع 2 درجة, وبمعدل 31% مع ارتفاع 4 درجات , اما
الأرز فيتوقع انخفاض انتاجيته بمعدل 11% وعباد الشمس ستنخفض انتاجيته 30%
كمعدل, والبندورة ستنخفض انتاجيتها 14% مع ارتفاع 1.5 درجة و51% اذا ارتفعت
3.5درجة. اما قصب السكر فيتوقع انخفاض انتاجيته 24.5% .
وتشير بعض الدراسات إلى أن الزراعة في العالم العربي معرضة بدرجة كبيره
للتغير المناخي مع خطر انخفاض انتاج الغذاء بمعدل 50% اذا استمرت الممارسات
الحالية بما لهذا من آثار كارثية على الأمن الغذائي.وقدرالانخفاض الحاصل
في انتاج الذرة بايطاليا بأكثر من 35% وفي فرنسا 30% لنفس المحصول و21%
للمحاصيل الشتوية, و30% للمحاصيل العلفية لعام 2003. وكانت خسائر الاقتصاد
في القطاع الزراعي على مستوى الاتحاد الأوروبي تقدر بحوالي 3 بليون يوروعام
2003.
3-الامراض والآفات النباتية
إن زيادة تركيز غاز CO2 سيؤثر على الوظائف الفسيولوجية للآفات
الحشرية مما قد يؤدي لقصر دورة حياتها وتزايد أعدادها بسرعة كبيرة. وخير
مثال على ذلك آفة صانعة أنفاق البندورة (توتا ابسلوتا) التي ظهرت كآفة خلال العام الماضي والعام الحالي.
4-الصحة العامة للبشر
تشير الدراسات أن التغير المناخي سيؤدي دوراً في تفشي الأمراض
المعدية التي تحملها الناقلات, وسيزيد من تركيز المواد المثيرة للحساسية
في الغلاف الجوي مما سيزيد من الأمراض الرئوية, كما سيزيد من مرض الطفح
الجلدي والجفاف وإعتام العين وتعرض كبار السن للإجهاد بسبب الحرارة, وزيادة
نسبة الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا.
5- الإستهلاك المائي للنباتات
إن التغير المناخي سيؤدي حتماً الى زيادة التبخر وبالتالي
زيادة استهلاك المياه في كل المجالات خاصة الزراعية. ومن المتوقع زيادة
استهلاك القمح للماء بنسبة 2.5% اذا ارتفعت الحرارة بمعدل 2 درجة, أما
القطن فسيزداد استهلاكه بمعدل 10% مع ارتفاع 2 درجة, والارز سيزداد
استهلاكه 16%, وعباد الشمس 6%, والذرة الشامية 8%, وقصب السكر 2.3% . وفي
الاردن وبسبب شح مصادر المياه أصلاً فيتوقع أن تكون المصادر المائية عاجزه
عن مواكبة الحاجة المتزايدة للمياه, وسيؤدي لانخفاض نصيب الفرد السنوي من
المياه وإلى تزايد تفاقم هذه المشكلةمع الزيادة المستمرة في الطلب بسبب
زيادة الاستهلاك المائي, وستتأثر الزراعات البعلية خاصة القمح والشعير
وقطاع المواشي بسبب تراجع هطول الأمطار وزيادة الاستهلاك المائي.
6- البحار والانهار والمياه الجوفية والسطحية والكتل الجليدية
أدى التغير المناخي في الاردن الى جفاف مياه واحة الأزرق,
والى تناقص مستوى مياه البحر الميت بسبب التبخر الشديد وجفاف الروافد التي
تغذيه, كما ادى الى جفاف الكثير من الينابيع والجداول وتدهور نوعية مياه
الآبار الجوفية بسبب الضخ الجائر ونقص تغذية خزانات المياه الجوفية, والى
التناقص المستمر في كميات مياه الري السطجية العذبة المتاحة للزراعة وتدني
نوعيتها. كما يتوقع جفاف اهواز العراق وتناقص الأنهار الكبيرة كالنيل ودجلة
والفرات واليرموك.
أما عالمياً فقد أدى ارتفاع حرارة الارض الى ذوبان الكتل
الجليدية في الاقطاب وارتفاع منسوب مياه البحر بمعدل 10 سم خلال القرن
العشرين, ومن المتوقع ارتفاع منسوب مياه البحر الى 59 سم بحلول عام 2100.
وفي سورية أدى التغير المناخي الى جفاف نهر الخابور وينابيعه وانخفاض
مناسيب المياه الجوفية في الآبار مما ادى الى انحسار المساحات الزراعية
وتراجع الثروة الحيوانية.
7- التنوع الحيوي
أدى ارتفاع الحرارة ألى موت الشعاب المرجانية وتناقص أعدادها ,
وكذلك اختفاء وانقراض عشرات الأنواع من الكائنات البحرية في خليج العقبة.
وفي البرازيل اختفت أنواع كثيرة من النباتات والحيوانات في غابات الأمازون,
كما أن زيادة نسبة الكربون المذاب في مياه المحيطات سيزيد من حموضة المياه
ويهدد النظم البيئية. ويتوقع الباحثون أن 20-30% من الأنواع في العالم
العربي سوف ينقرض اذا ارتفع معدل الحرارة 1 درجة فقط. وفي اليمن يوجد العدد
الاكبر من الأنواع المهددة بالانقراض حيث تبلغ 159 نوعاً, بينما لدى
الصومال 17 نوع مهدد, ولدى الاردن ومصر والسعودية وغيرها مجتمعة أكثر من 80
نوع حيواني مهدد, ومن ضمنها غابات الأرز في لبنان وسوريا.
المقترحات والتوصيات لمواجهة الآثار السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية:
وسنتكلم في مجال الزراعة دون المجالات الأخرى:
1- عن طريق التكيف (الأقلمة) لتخفيف الأثر السلبي وزيادة وتحسين الأثر الايجابي للظاهرة , ومن أمثلة ذلك:
القطن: حيث ان زراعته في أنسب ميعاد لكل منطقة مناخية سيؤدي
الى زيادة انتاجيته بمعدل 12-27%, كما ان زيادة المياه المضافة سيزيد
الانتاج 9%
القمح والذرة الشامية: حيث ان زراعة الاصناف عالية الانتاجية
قد يزيد الانتاج لأكثر من 60% وزراعته في أنسب ميعاد يمكن أن يزيد الانتاج
2-4% في حالة القمح و7-11% في حالة الذرة
عباد الشمس والبندورة وقصب السكر : تبكير الزراعة غالباً سيزيد الانتاج 25-34% للبندورة و13-18% لعباد الشمس و12% لقصب السكر.
وأهم استراتيجيات التكيف المقترحة في هذا الشأن:
أ- استنباط أصناف جديدة تتحمل الحرارة العالية والملوحة والجفاف وهي الظروف السائدة في ظل التغيرات المناخية. هذه لمحة عن الهندسة الوراثية.
ب- استنباط اصناف جديدة موسم نموها قصير لتقليل الاحتياجات المائية اللازمة لها.
ج- تغيير مواعيد الزراعة بما يلائم الظروف الجوية الجديدة,
وكذلك زراعة الاصناف المناسبة في المناطق المناخية الملائمة لها لزيادة
العائد المحصولي من وحدة المياه لكل محصول.
د- تقليل مساحة المحاصيل المسرفة في الاستهلاك المائي او على الأقل عدم زيادة مساحة زراعتها مثل الأرز وقصب السكر والموز والحمضيات.
ه- زراعة محاصيل بديلة تعطي نفس الغرض ويكون استهلاكها المائي وموسم نموها أقل مثل بنجر السكر بدل قصب السكر.
و- الري في المواعيد المناسبة وبالكمية المناسبة في كل رية حفاظاً على كل قطرة ماء .
2- إنشاء برنامج وطني لبحوث التغيرات المناخية والحد من آثارها على الزراعة وليكون من أهدافه:
أ- زيادة قدرة القطاع الزراعي على التكيف لمواجهة التغيرات المناخية مع التركيز على المناطق الزراعية الأكثر هشاشة.
ب- تقدير التأثير الكمي للتغيرات المناخية المتوقعة على
انتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية والاحتياجات المائية الزراعية والآفات
والامراض النباتية والحيوانية.
ج- العمل على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري
الناتجة عن زراعة المحاصيل المختلفة وذلك عن طريق الممارسات الزراعية
والإدارة المزرعية السليمة لمختلف المحاصيل الباعثة للغازات.
د- توعية المزارعين وتدريبهم على كيفية تكيف زراعة المحاصيل
الزراعية المختلفة تحت ظروف المناخ الحالية والمتوقعة عن طريق الإدارة
المزرعية السليمة من حيث مواعيد الزراعة المناسبة والاصناف والعمليات
الزراعية من صرف وري وتسميد ومكافحة.
_ هذه المقالة كانت جزءا من ورقة بحث أرسلها لنا المهندس الزراعي بشير عبد الحافظ داوود
إرسال تعليق